يُعد فصل الدراسات السابقة أحد الأعمدة الأساسية لأي بحث علمي أكاديمي، سواء على مستوى الماجستير أو الدكتوراه أو حتى مشاريع التخرج الجامعية. فالبحث العلمي لا يبدأ من فراغ، بل يبني على جهود الباحثين السابقين، ويستعرض ما تم التوصل إليه من نتائج ونظريات ذات صلة بمشكلة البحث الحالية. لذلك، فإن فهم طريقة كتابة فصل الدراسات السابقة بالتفصيل يُمثل خطوة حاسمة لضمان جودة الأطروحة العلمية ومنطقيتها الأكاديمية.
هذا الفصل لا يهدف فقط إلى عرض الدراسات السابقة، بل يتطلب قدرة الباحث على تحليلها، نقدها، وربطها بإشكاليته الخاصة. وفي هذا الدليل، سنستعرض كيفية بناء هذا الفصل بطريقة منهجية وعملية، بدءًا من اختيار الدراسات المناسبة، وحتى تنظيم المحتوى وربطه بسؤال البحث.
ما هو فصل الدراسات السابقة (Literature Review)؟
فصل الدراسات السابقة، أو مراجعة الأدبيات، هو الجزء الذي يقدّم فيه الباحث عرضًا تحليليًا ونقديًا لما كُتب ونُشر سابقًا حول موضوع بحثه. ويُعد هذا الفصل بمثابة خريطة معرفية توضح للقارئ ما الذي تم بحثه فعلاً، وأين تقع مشكلة البحث ضمن هذه الخريطة.
لا يقتصر دور هذا الفصل على “عرض الدراسات”، بل يجب أن يُظهر فيه الباحث:
-
ما تم الاتفاق عليه علميًا حول الموضوع.
-
التناقضات أو الثغرات في الأدبيات.
-
التوجهات المنهجية المختلفة في دراسة الموضوع.
-
كيف سيسهم بحثه في سد فجوة معرفية قائمة.
بهذا، فإن كتابة هذا الفصل لا تعني تجميع مجموعة من الدراسات فقط، بل تتطلب مهارة في التحليل والتركيب والنقد، مما يعكس عمق فهم الباحث للمجال.
الفرق بين Literature Review والإطار النظري
يخلط العديد من الطلاب بين فصل الدراسات السابقة (Literature Review) وفصل الإطار النظري (Theoretical Framework)، رغم أن لكل منهما وظيفة مختلفة داخل البحث.
-
فصل الدراسات السابقة يركّز على ما كُتب ونُشر من أبحاث وتجارب ودراسات تطبيقية حول الموضوع، ويُعرض فيها الباحث الجهود السابقة، الاتجاهات البحثية، والأساليب المستخدمة في دراسة المشكلة أو ما يشابهها.
-
أما الإطار النظري فهو يركّز على النظريات والنماذج التفسيرية التي يعتمد عليها الباحث في تحليل الظاهرة المدروسة. وغالبًا ما يُستقى هذا الإطار من المدارس الفكرية والنظرية الكبرى في التخصص.
بعبارة أخرى:
الدراسات السابقة تُجيب عن سؤال: “ماذا قالت الأبحاث السابقة حول هذه المشكلة؟”
بينما الإطار النظري يُجيب عن: “من أي منظور نظري سأفسّر هذه المشكلة؟”
من المهم جدًا أن يفرّق الباحث بين الفصلين، وأن لا يخلط بين عرض نتائج الدراسات وبين عرض النظريات.